الأمراض المهنية في المغرب: حقك في التعويض
تُعد الأمراض المهنية من الإشكالات القانونية والاجتماعية التي تطفو على السطح في الواقع العملي أكثر مما هي حاضرة في النقاشات العامة، خاصة في ظل غياب وعي كافٍ من طرف الأجراء بحقوقهم، وتملص بعض المشغلين من مسؤولياتهم. فالكثير من المغاربة يشتغلون في ظروف مهنية قاسية داخل أوراش ومصانع وفضاءات مهنية غير مهيكلة، مما يؤدي إلى إصابتهم تدريجيًا بأمراض مزمنة ناتجة عن طبيعة العمل، دون أن يتم التصريح بها أو التعويض عنها.
ففي الوقت الذي خصص فيه القانون المغربي لائحة رسمية تحدد
الأمراض التي تُعتبر مهنية، فإن الواقع يُبين أن الاعتراف بهذه الأمراض لا يتم
تلقائيًا، بل غالبًا ما يُفرض على الأجير أن يُثبت أمام المحكمة أن مرضه مرتبط
بظروف العمل التي اشتغل فيها لسنوات.
فالأجير المتضرر لا يجد في الغالب طريقًا
أمامه سوى اللجوء إلى المحكمة، مستعينًا بتقارير طبية، وشهادات شهود، وقرائن
مادية، لإثبات العلاقة بين المرض الذي أصيب به وطبيعة عمله. فالأمراض التي تنشأ عن
التعرض المستمر للمواد السامة، أو الضجيج، أو حمل الأثقال، أو استنشاق الغبار،
تُعد من أكثر الأمراض المهنية شيوعًا، لكنها في غياب تصريح إداري أو تغطية
اجتماعية، تتحول إلى مجرد معاناة شخصية ما لم يُبادر المتضرر إلى المطالبة
القضائية.
وتزداد صعوبة هذه المسطرة حين يكون
الأجير غير مرتبط بعقد مكتوب، إذ يعمد بعض المشغلين إلى إنكار العلاقة الشغلية من
الأصل، في محاولة للتهرب من المسؤولية. وهنا تصبح مسألة إثبات وجود علاقة الشغل
أمرًا ضروريًا، يسبق حتى إثبات المرض ذاته. وقد سبق لنا التطرق في مقال مستقل إلى
إشكالية إثبات عقد الشغل في القانون المغربي، وكيف يمكن للأجير الدفاع عن حقوقه
رغم غياب التوثيق أو التصريح، ويمكن العودة إلى ذلك الموضوع عبر هذا الرابط:
https://avocatmalainine.blogspot.com/2025/07/blog-post_28.html
و غالبًا ما يكون الأجير، في هذه الحالات،
مضطرًا إلى رفع دعوى أمام المحكمة الاجتماعية من أجل الاعتراف بكون المرض الذي
أصيب به له طابع مهني، ثم طلب التعويض المناسب عن الضرر اللاحق به، سواء تعلق
الأمر بعجز دائم أو مؤقت، أو مصاريف العلاج. وتقوم المحكمة، بناء على المعطيات
الطبية والوثائق المدلى بها، بانتداب خبير طبي لبيان طبيعة المرض، ونسبة العجز،
والعلاقة السببية بين الشغل والحالة الصحية التي يوجد عليها المدعي.
وتُشكل هذه الدعاوى فرصة لتفعيل الرقابة
القضائية على ظروف العمل، وتوجيه رسالة للمشغلين بضرورة احترام شروط السلامة
المهنية، لأن الحق في الصحة ليس امتيازًا بل ضمانة دستورية. ولا يمكن الحديث عن
العدالة الاجتماعية في غياب حماية حقيقية للأجير حين يتضرر بسبب عمله، خاصة إذا
علمنا أن كثيرًا من الأمراض المهنية لا تظهر آثارها إلا بعد سنوات من العمل، ما
يجعل إثباتها أصعب، ويتطلب يقظة قانونية واحترافًا في الترافع القضائي.
ففي ظل غياب التغطية الاجتماعية الكافية،
وتفشي التشغيل غير المهيكل، يظل القضاء هو الملاذ الأساسي للأجراء المصابين بأمراض
مهنية في المغرب، وعلى المحامي أن يلعب دورًا مركزيًا في تأطير الدعوى، وتقديم
الحجج، ومواكبة الملف من الناحية التقنية والطبية والقانونية، من أجل إنصاف العامل
الذي أفنى سنوات من عمره في خدمة العمل، ثم وجد نفسه ضحية صامتة لمرضٍ أنهك صحته
دون تعويض.
✍️ مدونة: المحامي
ماء العينين إعيش
https://avocatmalainine.blogspot.com/
تعليقات
إرسال تعليق