الدورات التأهيلية قبل الزواج كآلية لمواجهة المخطط الصهيو-إمبريالي لضرب استقرار الأسرة المغربية

الدورات التأهيلية قبل الزواج كآلية لمواجهة المخطط الصهيو-إمبريالي لضرب استقرار الأسرة المغربية

تشهد المجتمعات العربية والإسلامية ومنها المغرب، ارتفاعاً مقلقاً في نسب الطلاق، وهو ما يعكس أزمة حقيقية في مؤسسة الزواج ويؤثر بشكل مباشر على استقرار الأسر والمجتمع. ففي ظل النقاش الجاري حول تعديل مدونة الأسرة المغربية وإدخال إصلاحات جوهرية عليها، أصبح من الضروري التفكير في سياسات وقائية تهدف إلى تعزيز ثقافة الزواج الناجح، وحماية الأسرة من التفكك. ومن أبرز النماذج الدولية التي يمكن للمغرب الاستفادة منها التجربة الماليزية، حيث فرضت الحكومة الماليزية منذ سنوات دورات تأهيلية إلزامية قبل الزواج والتي نجحت في خفض نسب الطلاق ورفع مستوى الوعي لدى المقبلين على الزواج.

ففي ماليزيا مثلاً لا يمكن للمسلمين إبرام عقد الزواج دون اجتياز دورة تأهيلية معتمدة، تتضمن محاور متكاملة تجمع بين التربية النفسية والاجتماعية والتدريب على مهارات التواصل وحل النزاعات، والتخطيط المالي، بالإضافة إلى توعية الزوجين بالأحكام الشرعية والقانونية للزواج والطلاق. فتقارير وزارة التنمية الماليزية تشير إلى أن هذه الدورات ساهمت في تراجع نسب الطلاق وزيادة نسب استقرار الأزواج في السنوات الأولى من الزواج، كما رفعت مستوى الوعي بأهمية الحوار الأسري.

أما في المغرب، فإن الأرقام تكشف واقعاً مقلقاً، إذ تجاوز عدد حالات الطلاق في بعض السنوات أرقاماً مرتفعة للغاية، مما يدل على هشاشة البنية الأسرية وسهولة تفككها. ومن أبرز أسباب الطلاق حسب تجربتنا العملية داخل المحاكم نجد غياب التهيئة النفسية والاجتماعية قبل الزواج، وضعف الوعي بأدوار ومسؤوليات الزوجين، بالإضافة إلى اتخاذ قرار الزواج بشكل متسرع ودون دراسة كافية.

وهذا الواقع يستلزم من الحكومة المغربية، وبالضبط وزارة العدل والفرق البرلمانية، تبني سياسة وقائية من خلال إدماج دورات إلزامية قبل الزواج كشرط للحصول على الإذن بالزواج، وتأطير هذه الدورات من طرف مختصين في علم النفس والاجتماع والقانون والفقه، مع إشراك هيئات المجتمع المدني المهتمة بالموضوع؛ حيث يمكن تنظيم هذه الدورات داخل محاكم الأسرة بشكل مجاني أو برسم رمزي لتسهيل تعميمها، مع إطلاق حملات وطنية عبر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لتغيير النظرة التقليدية للزواج، وتوفير محتوى رقمي تعليمي يساعد المقبلين على الزواج على الاستعداد النفسي والاجتماعي للحياة الأسرية.

فمن شأن هذه الخطوة أن تساهم في خفض نسب الطلاق تدريجياً، وتعزيز ثقافة الزواج الواعي، وتقليل النزاعات الأسرية التي تصل إلى المحاكم، كما ستمكّن الدولة المغربية باعتبارها دولة إسلامية من لعب دور وقائي واستباقي في حماية مؤسسة الزواج باعتبارها حجر الزاوية في استقرار المجتمع، والتصدي بذلك للمشروع الصهيو-إمبريالي الراغب في تدمير الأسر المغربية والإسلامية وضرب استقرار المجتمعات من الداخل عبر استهداف مؤسسة الأسرة التي تعد الركيزة الأساسية لأي مجتمع متماسك. خصوصاً وأن القوى الكبرى تسعى منذ عقود إلى إضعاف الأمم من خلال نشر أنماط حياة غربية وترويج خطاب فرداني يغلب الحرية الفردية على حساب التضامن الأسري، مما يؤدي إلى خلق مجتمعات مفككة يسهل التحكم فيها سياسياً واقتصادياً.

إن إدراج هذا المقترح في تعديل مدونة الأسرة المقبلة، والسهر على خضوع قضاة التوثيق والعدول لدورات تكوينية في هذا الإطار، سيكون خطوة استراتيجية نحو بناء أسر أكثر تماسكاً. فالتجربة الماليزية دليل عملي ملموس على أن فرض التأهيل القبلي للزواج ليس ترفاً فكرياً، بل ضرورة اجتماعية لضمان استقرار المجتمع.

عموماً فإن الوضع الحالي لا يعني مطلقاً أننا قد وصلنا إلى مرحلة خطيرة تهدد الأسر المغربية، غير أن المعرفة المسبقة بوجود مخطط صهيوني إمبريالي يستهدف الأسر المغربية يستوجب منا كأفراد ومؤسسات وكدولة أن نعمد إلى وضع سياسات عملية وواقعية تهدف إلى تهيئة المقبلين على الزواج لتحمل هذه المسؤولية العظيمة التي تشكل أساس بناء مجتمع متماسك وحماية مستقبل هذا الوطن، وضمان تقليل معاناة الأسر، وتخفيف العبء على المحاكم، وتحصين المجتمع من التفكك، وتحويل الزواج من عقد شكلي إلى مشروع حياة متكامل قائم على المسؤولية والوعي والاحترام المتبادل.


بقلم: الأستاذ ماء العينين أعيش – محامٍ بهيئة أكادير وباحث

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

InDrive في المغرب بين الواقع و القانون .

لماذا يحتاج المغرب إلى العقوبات البديلة؟

ارتفاع أسعار العطل في المغرب… بين حرية الأسعار وغياب المنافسة